سورة آل عمران - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{تُولِجُ اليل فِى النهار} أي تُدخِله فيه بتعقيبه إياه أو بنقص الأول وزيادةِ الثاني {وَتُولِجُ النهار فِى اليل} على أحد الوجهين {وَتُخْرِجُ الحى مِنَ الميت} أي تنشىء الحيواناتِ من موادها أو من النطفة، وقيل: تخرِجُ المؤمنَ من الكافر {وَتُخْرِجُ الميت مِنَ الحى} أي تخرج النطفة من الحيوان وقيل: تخرج الكافر من المؤمن {وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال أبو العباس المَقَّرِي: ورد لفظُ الحساب في القرآن على ثلاثة أوجهٍ بمعنى التعب قال تعالى: {وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} وبمعنى العدد قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وبمعنى المطالبة قال تعالى: {فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} والباء متعلقة بمحذوف وقع حالاً من فاعل ترزق أو من مفعوله وفيه دَلالةٌ على أن من قدَر على أمثال هاتيك الأفاعيلِ العظامِ المحيِّرة للعقول والأفهام فقُدرته على أن ينزعَ الملكَ من العجم ويُذِلهم ويُؤتيَه العربَ ويُعِزَّهم أهونُ من كل هيّن. عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فاتحة الكتاب وآيةَ الكرسيِّ وآيتين من آل عمران شهد الله أنه {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إلى قوله تعالى: {إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام} و{قُلِ اللهم مالك الملك} إلى قوله: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} معلقاتٌ ما بينهن وبين الله تعالى حجابٌ»، قلن: يا رب تُهبِطُنا إلى أرضك وإلى من يعصيك؟ قال الله تعالى: «إني حلفت أنه لا يقرؤكُنّ أحدٌ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ إلا جعلتُ الجنّةَ مثواه على ما كان منه وأسكنتُه في حظيرة القدس، ونظرت بعيني كل يوم سبعين مرةً وقضيتُ له سبعين حاجة أدناها المغفرة، وأعذتُه من كل عدو وحاسدٍ، ونصرتُه عليهم» وفي بعض الكتب: «أنا الله ملكُ الملوك، قلوبُ الملوكِ ونواصِيهم بيدي فإنِ العبادُ أطاعوني جعلتهم لهم رحمة وإنِ العبادُ عصَوْني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسبِّ الملوك ولكن توبوا إليَّ أُعطِّفْهم عليكم» وهو معنى قوله عليه السلام: «كَما تَكُونُوا يُولَّ عَلَيْكُم»


{لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء} نُهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية ونحوِهما من أسباب المصادقة والمعاشرة كما في قوله سبحانه: {الحكيم ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} وقولِه تعالى: {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاء} حتى لا يكونَ حبهم ولا بغضهم إلا لله، أو عن الاستعانة بهم في الغزو وسائر الأمور الدينية {مِن دُونِ المؤمنين} في موضع الحال أي متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالاً أو اشتراكاً وفيه إشارة إلى أنهم الأحقاءُ بالموالاة وأن في موالاتهم مندوحةً عن موالاة الكفرة {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} أي اتخاذَهم أولياءَ، والتعبيرُ عنه بالفعل للاختصار أو لإيهام الاستهجان بذكره {فَلَيْسَ مِنَ الله} أي من ولايته تعالى {فِي شَىْء} يصِح أن يُطلق عليه اسمُ الولاية فإن موالاة المتعاديَيْن مما لا يكاد يدخُل تحت الوقوع قال:
تودُّ عدوِّي ثم تزعُم أنني *** صديقُك ليس النَّوْكُ عنك بعازبِ
والجملة اعتراضية. قوله تعالى: {إِلا أَن تَتَّقُواْ} على صيغة الخطابِ بطريق الالتفاتِ استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوال، والعامل فعل النهي معتبَراً فيه الخطابُ كأنه قيل: لا تتخذوهم أولياءَ ظاهراً أو باطناً في حال من الأحوال إلا حال اتقائكم {مِنْهُمْ} أي من جهتهم {تقاة} أي اتقاءً أو شيئاً يجب اتقاؤه على أن المصدر واقعٌ موقعَ المفعول فإنه يجوز إظهارُ الموالاة حينئذ مع اطمئنان النفس بالعداوة والبغضاء وانتظار زوالِ المانع من قَشْر العصا وإظهار ما في الضمير كما قال عيسى عليه السلام: كن وسَطاً وامشِ جانباً. وأصلُ (تقاة) وُقْيَةً ثم أبدلت الواو تاءً كتُخمة وتُهمة وقلبت الياء ألفاً وقرئ {تُقْيةً} {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} أي ذاتَه المقدسة فإن جواز إطلاقِ لفظِ النفسِ مراداً به الذاتُ عليه سبحانه بلا مشاكلة مما لا كلام فيه عند المتقدمين، وقد صرح بعضُ محققي المتأخرين بعدم الجواز وإن أريد به الذات بلا مشاكلة، وفيه من التهديد ما لا يخفى عُظْمُه، وذكرُ النفس للإيذان بأن له عقاباً هائلاً لا يؤبه دونه بما يحذر من الكفرة {وإلى الله المصير} تذييلٌ مقرِّر لمضمون ما قبله ومحقق لوقوعه حتماً {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ} من الضمائر التي من جملتها ولايةُ الكفرةِ {أَوْ تُبْدُوهُ} فيما بينكم {يَعْلَمْهُ الله} فيؤاخذْكم بذلك عند مصيرِكم إليه، وتقديمُ الإخفاء على الإبداء قد مر سره في تفسير قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} وقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} {وَيَعْلَمُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الارض} كلامٌ مستأنف غيرُ معطوف على جواب الشرط وهو من باب إيرادِ العام بعد الخاص تأكيداً له وتقريراً {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} فيقدِرُ على عقوبتكم بما لا مزيدَ عليه إن لم تنتهوا عما نُهيتم عنه، وإظهارُ الاسم الجليل في موضع الإضمارِ لتربية المهابة وتهويلِ الخطب وهو تذييلٌ لما قبله مبين لقوله تعالى: {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} بأن ذاته المقدسةَ المتميزةَ عن سائر الذوات المتصفةَ بما لا يتصف به شيء منها من العلم الذاتي المتعلقِ بجميع المعلومات متصفةٌ بالقدرة الذاتية الشاملةِ لجميع المقدورات بحيث لا يخرُج من ملكوته شيءٌ قطُّ.


{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} أي من النفوس المكلفة {مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا} عندها بأمر الله تعالى وفيه من التهويل ما ليس في حاضراً {وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء} عطف على {مَّا عَمِلَتْ} والإحضار معتبرٌ فيه أيضاً إلا أنه خُص بالذكر في الخير للإشعار بكون الخير مراداً بالذات وكونِ إحضارِ الشر من مقتضيات الحكمة التشريعية {تَوَدُّ} عامل في الظرف والمعنى تود وتتمنى يوم تجد صحائفَ أعمالها من الخير والشر أن أجزِيتَها محْضَرة {لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ} أي بين ذلك اليوم {أَمَدَا بَعِيدًا} لشدة هوله وفي إسناد الود إلى كل نفس سواءٌ كان لها عملٌ سيء أو لا بل كانت متمحِّضةً في الخير من الدلالة على كمال فظاعةِ ذلك اليوم وهول مطلعِه ما لا يخفى، اللهم إنا نعوذ بك من ذلك ويجوز أن يكون انتصابُ يومَ على المفعولية بإضمار اذكروا وتودّ إما حال من كل نفس أو استئنافٌ مبني على السؤال أي اذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير وشر محضراً وادّةً أن بينها وبينه أمداً بعيداً أو كأن سائلاً قال حين أمروا بذكر ذلك اليوم: فماذا يكون إذ ذاك؟ قيل: تود لو أن بينها إلخ أو {تَجِدُ} مقصورٌ على ما عملت من خير، وتود خبرُ ما عملت من سوء ولا تكون ما شرطية لارتفاع تود وقرئ {ودّت} فحينئذ يجوز كونُها شرطيةً لكن الحمل على الخبر أوقعُ معنىً لأنها حكايةُ حالً ماضية وأوفقُ للقراءة المشهورة {وَيُحَذّرُكُمُ الله نَفْسَهُ} تكرير لما سبق وإعادة له لكن لا للتأكيد فقط بل لإفادة ما يفيده قوله عز وجل: {والله رَءوفٌ بالعباد} من أن تحذيرَه تعالى من رأفته بهم ورحمتِه الواسعةِ أو أن رأفته بهم لا تمنعُ تحقيقَ ما حذّرهُموه من عقابه وأن تحذيرَه ليس مبنياً على تناسي صفةِ الرأفة بل هو متحققٌ مع تحققها أيضاً كما في قوله تعالى: {ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} فالجملة على الأول اعتراضٌ، وعلى الثاني حال وتكرير الاسم الجليل لتربية المهابة {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعونى} المحبة ميلُ النفس إلى الشيء لكمالٍ أدركتْه فيه بحيث يحمِلها على ما يقرّبها إليه، والعبدُ إذا علم أن الكمالَ الحقيقيَّ ليس إلا الله عز وجل وأن كلَّ ما يراه كمالاً من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبُّه إلا لله وفي الله، وذلك مقتضى إرادةِ طاعته والرغبةِ فيما يقرّبه إليه، فلذلك فُسِّرت المحبةُ بإرادة الطاعة وجُعلت مستلزِمةً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادته والحرصِ على مطاوعته {يُحْبِبْكُمُ الله} أي يرضَ عنكم {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أي يكشفِ الحجبَ عن قلوبكم بالتجاوز عما فرَطَ منكم فيقرّبكم من جناب عزِّه ويبوِّئُكم في جوار قدْسِه، عبّر عنه بالمحبة بطريق الاستعارة أو المشاكلة {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي لمن يتحبّب إليه بطاعته ويتقرّب إليه باتباع نبيِّه عليه الصلاة والسلام فهو تذييلٌ مقررٌ لما قبله مع زيادة وعد الرحمةِ، ووضعُ الاسمِ الجليل موضع الضمير للإشعار باستتباع وصفِ الألوهية للمغفرة والرحمة، روي أنها نزلت لما قالت اليهودُ: نحن أبناءُ الله وأحباؤه، وقيل: نزلت في وفد نجرانَ لما قالوا: إنا نعبدُ المسيحَ حباً لله تعالى، وقيل: في أقوام زعَموا على عهده عليه الصلاة والسلام أنهم يُحبون الله تعالى فأُمروا أن يجعلوا لقولهم مِصداقاً من العمل.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9